الانظمة البيئية المائية

الماء على الارض 
عندما تفكر في الماء على الأرض قد تعود بذاكرتك إلى درس الجغرافيا؛ حيث طلب إليك تحديد مواقع المحيطات والبحار على الأرض. ولربما سمعت أيضا عن أجسام مائية كبيرة مثل نهر الأمازون أو البحر الأحمر. إن الكرة الأرضية تبدو من الفضاء زرقاء اللون؛ لأن معظمها مغطى بالماء. ويدرك علماء البيئة أهمية الماء للمجتمعات الحيوية. وفي هذا القسم ستتعلم الأنظمة المائية العذبة والانتقالية والبحرية، وتدرس العوامل اللاحيوية التي تؤثر في هذه الأنظمة.

الانظمة البيئية في المياه العذبة Freshwater Ecosystems

تضم أنظمة المياه العذبة البيئية الرئيسة البرك والبحيرات والجداول والأنهار والأراضي الرطبة. وقد مكن الله النباتات والحيوانات أن تتكيف في هذه الأنظمة البيئية حيث التركيز القليل من الأملاح في هذه المياه العذبة. ولهذا فهي غير قادرة على العيش في مناطق ذات تركيز عال من الأملاح. وتشكل المياه العذبة % 2.5ً تقريبا من كمية الماء الإجمالية على الكرة الأرضية ، وهذا ما يوضحه القطاع الدائري يسار الشكل .8-19 ويبين الجانب الأيمن من الشكل أن هذه النسبة )% ( 2.5تقسم إلى: % 68.9موجودة في الجبال الجليدية )الجليديات،( و % 30.8مياه جوفية، و % 0.3فقط موجودة في البحيرات والبرك والأنهار والجداول والأراضي الرطبة. ومن المثير للاهتمام أن تعرف أن معظم الأنواع تعيش في % 0.3فقط من المياه العذبة

الانهار والجداول Rivers and streams

دفق الماء في الأنهار والجداول في  اتجاه واحد ً ، ابتداء من مصدر الماء )منبع الماء،( وينتقل في اتجاه مصب النهر؛ حيث تصب المياه في جسم مائي أكبر، وقد يبدأ تشكل الأنهار والجداول من ينابيع تحت سطح الأرض أو من ذوبان الثلوج. ويحدد مقدار ميل المنطقة اتجاه تدفق الماء وسرعته، فعندما يكون الميل حاد ً ا يتدفق الماء بسرعة حاملا معه الكثير من الرسوبيات التي ينقلها. والرسوبيات sediments مواد ينقلها الماء أو الرياح أو الأنهار الجليدية. وعندما يستوي ميل المنطقة تتناقص سرعة الماء المتدفق، وتتراكم في صورة طمي )غرين( وطين ورمل. وتتغير خصائص الأنهار والجداول خلال رحلتها من المنبع حتى المصب. إن التفاعل بين الماء والرياح يحرك المياه السطحية، مما يضيف كمية من الأكسجين إلى الماء. كما أن التفاعل بين الماء واليابسة ينتج عنه التعرية، وتوفير المواد المغذية، وتغيير مجرى الأنهار أو الجداول.
إن التيارات وجريان الماء السريع في الأنهار والجداول تمنع تراكم الكثير من المواد العضوية والرسوبيات، ولهذا السبب يعيش القليل من الأنواع الحية في المياه السريعة الحركة، كما في الشكل .8-21ومن الخصائص المهمة لأشكال الحياة كافة في الأنهار والجداول القدرة على مقاومة تيارات الماء المستمرة. فالنباتات التي تستطيع تثبيت جذورها في قاع النهر شائعة في المناطق التي تقلل فيها الصخور من حركة الماء فتجعلها بطيئة. وتختبئ الأسماك الصغيرة بين هذه النباتات، وتتغذى على مخلوقات مجهرية دقيقة جرفها التيار، وعلى يرقات الحشرات المائية.
وفي المياه البطيئة الجريان تشكل يرقات الحشرات المصدر الأساسي لغذاء العديد من أسماك الأنقليس ،eelوالسمكة القط، والسلمون المرقط ،troutوتوجد أحيانا مخلوقات حية أخرى ومنها السلطعونات والديدان في المياه الهادئة، ومن الحيوانات التي تعيش في المياه البطيئة الجريان السمندل والضفادع .

البحيرات والبرك Lakes and Ponds 

يسمى الجسم المائي المستقر )الراكد( والمحصور في اليابسة بحيرة ً أو بركة ً . وقد يكون هذا المسطح المائي صغيرا،  لا تتجاوز مساحته بضعة أمتار مربعة، أو كبيرا يصل إلى آلاف الأمتار المربعة. وبعض البرك قد تمتلئ بالماء في الشتاء لأسابيع أو أشهر فقط خلال السنة، في حين يعود عمر بعض البحيرات إلى آلاف السنين. ويوضح الشكل 8-22كيف تتغير درجة حرارة البرك والبحيرات في المناطق المعتدلة مع تغير الفصول.
تكون درجة الحرارة في معظم ماء البركة أو البحيرة في الشتاء هي نفسها. أما في الصيف فيرتفع الماء الأكثر دفئ ً ا إلى أعلى؛ لأنه أقل كثافة من الماء البارد الموجود في الأسفل، وعندما تنخفض درجة الحرارة في الخريف أو ترتفع في الربيع يحدث انقلاب في الماء؛ إذ تمتزج طبقات الماء العلوية مع السفلية، وغالبا ما يكون ذلك بفعل الرياح، فينتج عن ذلك تجانس في درجة حرارة المياه، وهذا الاختلاط يؤدي إلى دوران الأكسجين، وكذلك نقل المواد المغذية من القاع إلى السطح.
ويطلق المصطلح "قليل التغذي " Oligotrophicعلى البحيرات والبرك الفقيرة بالمواد المغذية، وتوجد في الجبال العالية، وتحوي القليل من النباتات والحيوانات التي تعيش على الكمية القليلة من المواد العضوية والمواد المغذية. أما البرك الغنية المواد المغذية فتسمى "حقيقي التغذي " Eutrophicً ، وتوجد عادة على ارتفاعات منخفضة، ويعيش في هذه البرك العديد من الأنواع النباتية والحيوانية نتيجة توافر المواد العضوية والمواد المغذية الأخر،ى التي يتوافر بعضها نتيجة الأنشطة الزراعية. وتقسم البرك والبحيرات إلى ثلاث مناطق بناء على كمية ضوء الشمس التي تنفذ من خلال سطح الماء؛ فالمنطقة القريبة من الساحل تسمى منطقة الشاطئ littoral zone ويكون الماء فيها ضحلا، مما يسمح لضوء الشمس بالوصول إلى القاع، وتعيش في هذه المياه العديد من المخلوقات الحية المنتِجة ومنها النباتات المائية والطحالب إن توافر الضوء والمنتجات يجعل من منطقة الشاطئ منطقة ذات معدل بناء ضوئي مرتفع، يعيش فيها العديد من المستهلكات، ومنها الضفادع والسلاحف والديدان والقشريات ويرقات الحشرات والأسماك.
المنطقة المضيئة limnetic zone منطقة المياه المفتوحة التي يصلها ضوء الشمس، وتسودها العوالق ،planktonsوهي مخلوقات حية تطفو بحرية، ذاتية التغذي، تعتمد على عملية البناء الضوئي في إنتاج غذائها، وتعيش في المياه العذبة أو البحرية المالحة. ويعيش العديد من أسماك المياه العذبة في المنطقة المضيئة لكثرة توافر غذائها، ومنه العوالق.
وهناك كمية بسيطة من الضوء تخترق المنطقة المضيئة وتصل إلى المنطقة العميقة profundal zoneالتي تشكل أعمق المناطق في البحيرات الضخمة، وهي أكثر برودة، ومحتواها من الأكسجين أقل من المنطقتين السابقتين، مما يجعل عدد الأنواع الحية التي
تستطيع العيش فيها محددا. ويوضح الشكل 8-23المناطق الثلاث للبرك والبحيرات، والتنوع الحيوي فيها. 

الانظمة البيئية المائية  الانتقالية 

إن الأنظمة البيئية المائية في العديد من المناطق لا تظهر على هيئة جداول أو بركا أو حتى محيطات، بل تكون مزيجا من اثنتين أو أكثر من البيئات المختلفة. ويسمي علماء البيئة هذه المناطق الأنظمة البيئية المائية الانتقالية؛ حيث تختلط مع اليابسة، أو بالماء يمتزج الماء المالح بالماء العذب. وتشكل المصبات والأراضي الرطبة أمثلة ً شائعة على هذه الأنظمة.
Wetlands السبخات والمستنقعات بأشكالها المتنوعة أراض مشبعة بالماء، تساعد على نمو النباتات المائية، وتسمى جميعها الأراضي الرطبة wetlands الأراضي الرطبة مناطق إسفنجية تضم نباتات متعفنة تدعم وجود العديد من المخلوقات الحية. وتضم المناطق الرطبة تنوعا كبيرا من المخلوقات الحية؛ فهناك العديد من البرمائيات والزواحف والطيور، ومنها البط ومالك الحزين، والثدييات كالراكون. ومن الأنواع النباتية التي تنمو في ظروف رطبة ومبللة الطحلب البطي duckweedوزنابق الماء pond lilies
والبردي cattails والمنجروف mangrove والصفصاف ، Estuaries نوع آخر من الأنظمة البيئية المائية الانتقالية،  وتعد من أكثر الأنظمة البيئية تنوعا، ولا يفوقها في هذا سوى الغابة الاستوائية المطيرة والشعاب المرجانية. ومن هذه المصبات مصب النهر estuary وهو نظام بيئي يتكون عندما يختلط ماء النهر العذب أو الجدول بماء المحيط المالح. والمصبات أماكن انتقالية الانتقال من الماء العذب إلى الماء المالح، ومن اليابسة إلى البحر- يعيش فيها الكثير من أنواع المخلوقات الحية. وتعد كل من الطحالب وأعشاب البحر وحشائش السبخات من المنتِجات السائدة في هذه المناطق. وتعتمد العديد من الحيوانات ومنها أنواع من الديدان المختلفة والمحار والسلطعون على بقايا المواد المغذية بوصفها غذاء لها، وتتكون بقايا المواد المغذية من قطع صغيرة من المواد العضوية.
ويمكن أن توجد أشجار المنجروف في المصبات الاستوائية؛ حيث تتكون المستنقعات.
والعديد من أنواع الأسماك واللافقاريات البحرية، والروبيان، تستخدم المصبات أماكن لرعاية صغارها. وتعتمد طيور الماء ومنها البط والوز على أنظمة المصبات المائية لبناء الأعشاش والتغذي والراحة في أثناء الهجرة. تعد السبخات المالحة أنظمة بيئية مائية
انتقالية تشبه المصبات، وتعيش فيها الحشائش التي تتحمل الملوحة بشكل يفوق مستوى خط المد المنخفض ، وتنمو أعشاب البحر في المناطق المغمورة من السبخات المالحة  التي تدعم أنواعا مختلفة من الحيوانات كالروبيان والمحار الانظمة البيئية البحرية .

الانظمة البيئية البحرية

 تسمى الأرض أحيانا "كوكب الماء" وللأنظمة البيئية البحرية تأثير مهم في كوكبنا. فمن خلال عملية البناء الضوئي مثلا، تستهلك الطحالب البحرية ثاني أكسيد الكربون من الجو وتنتج أكثر من % 50من الأكسجين الجوي.
وبالإضافة إلى ذلك يشكل تبخر الماء من المحيطات معظم الهطول المتمثل في المطر والثلج. وكما هو الحال في البرك والبحيرات تقسم المحيطات إلى مناطق محددة مميزة  .

منطقة المد والجزر

شريط ضيق يمتد حيث يلتقي المحيط باليابسة. وقد تكيفت المخلوقات الحية التي تعيش في هذه المنطقة مع التغيرات المستمرة التي تحدث يوميا من تبادل أمواج المد وتؤدي إلى غمر الشاطئ أو تعريته. ويمكن تقسيم منطقة المد والجزر إلى نطاق عمودي  ؛ حيث يكون الجزء العلوي أو نطاق الرذاذ جافًّا معظمالوقت؛ إذ يحظى برذاذ الماء المالح فقط عندما يرتفع المد، ويعيش في هذه البيئة
ُ عدد قليل من النباتات والحيوانات. أما نطاق المد المرتفع في َ غمر بالماء في أثناء المد المرتفع فقط، ويحظى هذا النطاق بماء أكثر من منطقة الرذاذ، لذلك يعيش فيها نباتات وحيوانات أكثر عددا. ويعاني نطاق المد المتوسط اضطرابا حادا مرتين يوميا، وذلك
َ عندما يغمر المد خط الشاطئ ثم ينحسر عنه. لذا يجب على المخلوقات الحية التي تعيش في هذا النطاق أن تتكيف مع فترات طويلة عند التعرض للماء والهواء. ويكون نطاق المد المنخفض مغطى بالماء ما لم يكن المد منخفضا جدا، وتعد هذه المناطق الأكثر ازدحاما بالمخلوقات الحية من بين مناطق المد والجزر

الانظمة البيئية للمحيط المفتوح Open ocean ecosystems 

تضم مناطق المحيط المفتوح،والمنطقة البحرية، ومنطقة اللجة التي لا يمكن الوصول إليها، ومنطقة قاع المحيط. وتسمى المنطقة التي تمتد إلى عمق 200 m من المنطقة البحرية المنطقة الضوئية photic zoneً ، وتسمى أيضا المنطقة الضوئية الحقيقية. وهي منطقة ضحلة بدرجة تسمح فيها بنفاذ ضوء الشمس، وكلما زاد العمق قلت كمية الضوء. ومن المخلوقات الحية الذاتية التغذي التي تعيش في
المنطقة الضوئية عشب البحر والعوالق. وتضم حيوانات تلك المنطقة العديد من أنواع الأسماك وسلاحف البحر وهلام البحر والحيتان والدلافين. والكثير من هذه الحيوانات يتغذى على العوالق، لكن بعضها يتغذى على أنواع أضخم.
أما المنطقة المظلمة – aphotic zone وهي المنطقة التي لا يصل إليها ضوء الشمس- فتقع مباشرة أسفل المنطقة الضوئية. ويبقى هذا الجزء من المنطقة البحرية في ظلام دائم، ويكون عادة ً باردا وفيه بعض التباين في درجات الحرارة نتيجة الاختلاط بين أمواج المحيط الباردة مع الدافئة. ولا تستطيع المخلوقات الحية التي تعتمد على طاقة الضوء أن تعيش في المنطقة المظلمة.
وتسمى المنطقة التي تشكل أكبر مساحة على طول أرضية المحيط منطقة قاع المحيط benthic zone وتتكون من رمل وطين )غرين( ومخلوقات ميتة، ويمكن لضوء الشمس أن يصل إلى أرضية المحيط إذا كانت منطقة قاع المحيط ضحلة، وعندما يزداد العمق يخترق المياه العميقة ضوء أقل، وتنخفض درجات الحرارة. ويميل تنوع المخلوقات الحية إلى التناقص كلما زاد العمق، ما عدا المناطق القريبة من الفوهات الحرارية؛ حيث يوجد الروبيان والسلطعون والعديد من الديدان الأنبوبية.
ويعيش في منطقة قاع المحيط العديد من أنواع الأسماك والأخطبوط والحبار.
وتسمى المنطقة الأعمق من المحيط ُّ منطقة اللجة .abyssal zone حيث يكون الماء باردا جدا. وتعتمد معظم المخلوقات الحية هنا على المواد المغذية التي تنتقل إلى أسفل من المناطق العليا. وتنفث الفوهات الحرارية في قاع المحيط وعند حواف الصفائح الأرضية كميات كبيرة من الماء الساخن وكبريتيد الهيدروجين ومعادن أخرى . 
وقد وجد العلماء مجتمعات حيوية من البكتيريا تعيش في هذه المواقع، وتستخدم جزيئات كبريتيد الهيدروجين لإنتاج الطاقة. وتوجد هذه البكتيريا عند قاعدة السلسلة الغذائية التي تشمل اللافقاريات مثل المحار والسلطعون، وفقاريات كالأسماك.

المحيط الساحلي والشعاب المرجانية Coastal ocean and coral reefs 

تعد  الشعاب المرجانية الأكثر تنوعا بين الأنظمة البيئية ؛ فهي موزعة على نحو كبير في المياه البحرية الضحلة الدافئة. وتشك َ ل هذه الشعاب حواجزا طبيعية على طول القارات تحمي الشواطئ من التعرية. والمرجان حيوان لافقاري طري يعيش داخل تركيب يشبه الحجارة.  ويرتبط المرجان بعلاقة تكافلية مع طحالب تسمى زوزانتلي ،Zooxanthellae تزوده بالغذاء، وفي المقابل يوفر لها المرجان الحماية، كما يمكنها من التعرض للضوء. ومن الحيوانات التي تعيش بين الشعاب المرجانية بعض أنواع المخلوقات الحية الدقيقة والأخطبوط وقنافذ البحر ونجم البحر والأسماك.
والشعاب المرجانية، كغيرها من الأنظمة البيئية، تتأثر بالتغيرات البيئية. فالتغيرات التي تنجم عن الاختلالات الطبيعية -كزيادة الرسوبيات من أمواج تسونامي- يمكن أن تسبب موت الشعاب، كما أن أنشطة الإنسان - كتطوير الأراضي وجمع الشعاب المرجانية للحصول على كربونات الكالسيوم - قد تتلف الشعاب أو تدمرها. ويراقب علماء البيئة اليوم الشعاب وبيئاتها لحماية هذه الأنظمة البيئية الهشة

أحدث أقدم

تفعيل منع نسخ المحتوي