أثر العولمة الثقافية على الهوية العربية والإسلامية وبدائلها
لما كانت العولمة الثقافية تمثل تحديا أمام الثقافات المتعدده لشعوب العالم وقد ظهر ذلك جليا كما أسلفنا في مواقف الدول الأوربية أمام التداعيات الجديدة لثقافة العولمة والأطروحات الأمريكيه خاصة , وكان من الطبيعي أن تحافظ الدول – رغم الانهزامية وضعف الثقة بالنفس – على شيء من هوياتها الثقافية ولو على القدر الذي لا بد من المحافظة علية من القيم والمبادئلذا وجب علينا أن نتأمل الوضع الذي علية قيمنا وهويتنا الثقافية العربية الإسلامية أمام عولمة الثقافة وما الذي يجب أن تكون علية من الكفاءة لتواجة تحديات العصر ومتطلبات البناء والتنمية ...........
وتعرف الهوية بأنها :
مايشخص الذات ويميزها , والثقافة : تعني شئون الفكر والأدب والفن والقيم ...................................تخلص من هذا التعريف إلى ان الهوية تحمل معنى الذات بل وتمثلها تمثيلا واقعيا عبر ثقافة معينة ذات أبعاد قيمية من أفكار وتصورات ومعارف وفنون وغيرها .
ومنظومة القيم العربية والإسلاميه تتعرض اليوم لهزات عنيفة جراء الزحف العارم لثقافة العولمة الذي هدفة طمس الهوية الثقافية لشعوب العالم على غرار العولمة الأقتصادية , حيث يراد للثقافة أن تتحول مفرداتها إلى مواد سوقية فيصبح الرأي سلعة وصاحبة أداة تلعب قوى السوق دورا فاعلا فيها .
ولما كانت الخصوصية الثقافية ذات شأن يفوق شأن الخصوصية الحضارية , باعتبار ان الثقافة هي صانعة الحضارة , أو هي نواتها الأولى , فان أي محاوله لا ستلاب الخصوصية الثقافية لأي أمه يعد طمسا لبنيانها الحضاري .
وتعرف التبعية بأنها L تعني في جوهرها استلاب هذه الأمه أو تلك وهذه الدولة أو تلك خصوصيتها الثقافية , وهذا يظهر الاستلاب جليا في عصر العولمة )
ويمكن وصف التبعية الثقافية بأنها : تبنى ثقافة الغير أو الأعتماد عليها , إما نتيجة لضعف الشخصية , أو سلب الخصوصية الثقافية ... ولقد أصبحنا في عصر العولمة نلمس بوادرة هذه التبعية في علمنا العربي والإسلامي من خلال ماتتعرض له قيمنا العربية والإسلامية , سواء كانت قيما عقائدية أو تربوية أو تعليمية , أو أخلاقية أو سلوكية , بما فيهم قيم العداله والحرية والمساواة والشورى .... حيث تستهدف ثقافة العولمة النيل منها , إما عن طريق ثقافة الاختراق .
فالقيم العقدية الإسلامية تجابة من قبل قوى العولمة الثقافية اللادينية , حيث جاءت بالوثنية الحديثة التي تصف ما وصل إلية عقل الإنسان من التقدم التقني والتكنولوجي بأنه غاية مبتغي الإنسان ونهاية التأريخ , وتجهل خالق الإنسان ومبدع هذا الكون , وتنسى أنها في الوقت ذاته تضع كل ما وصلت إلية البشرية من تقدم حضاري في قمة السخرية والعبث حيث لا هدف ولاغاية , قال تعالى :
( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون , إنها ثقافة تدعو البشرية إلى إدراك الحكمة من وجود نعالهم في أرجلهم وتصرفهم عن إدراك الحكمة من وجود ذواتهم .
واما القيم التربوية والتعليمية فان ثقافة العولمة تعمد إلى محو التربية واجتثاثها من جذورها , وإلى تهميش التعليم , حيث يلعب الإعلام دورا بارزا في مسخ الهوية التربويه من خلال البرامج والأفلام التي تبث سمومها لتصنع جيلا يعلن تمرده على كل المبادئ والقيم , ويراد من التعليم حصر مناهجة وأسسه في معارف شكلية جافة لا تنتمي إلى هوية ولا ترتبط بقيم .
وكذا الأخلاق والسلوك فقد تمكن أخطبوط العولمة الثقافية من أن يطالها بتعطيله الدور الريادي للأسرة و المدرسة – على حد سواء – في التنشئة الخلقية الحميدة والسلوكية الرشيدة , حيث يساهم إخفاق النظام التعيمي وتفكك بنية الأسرة في امتداد الأنهيار الكامل والشامل لنظام القيم , وإحلال الجريمة , وتهريب المخدرات محلها , وتكوين شبكات الدعارة الطفولية على شاشة الإنترنت وغيرها ..........
أما قيمة العدل التي أساسها قولة تعالى :
( إن الله يأمر بالعدل )
فإن ثقافة العولمة تحاول أن تملي على العالم موازين أخرى تتمثل في فرض أساليب جديدة تحكم العالم على أسس خاضعة لسياسات السوق التي تفرض التباين وترفض التوازن والعداله , فهذا يستحق , وآخر لا يستحق , وهذا وحدة الذي يملك , وآخر لا يحق له أن يملك شيئا .
أما قيم الحرية والمساواة والشورى كقيم حقيقية تشكل الهوية الثقافية للأمة العربية والإسلامية كونها تستمد ثباتها ورسوخها من مرجعية أساسها قول الحق سبحانة ( ونفس وماسواها فألهمها فجورها وتقواها ) وقول الله تعالي ( ياأيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم .
وقوله تعالي ( وأمرهم شورى بينهم ) .....صدق الله العظيم .
فإنا نجد ثقافة العولمة الزاعمة بأن الديموقراطية أتت بالرفاهية , وتساوي الحقوق والواجبات , والدعوه إلى الأئتلاف .
نجد ان تلك المزاعم قد تهاوت أمام مبادئ اقتصاد السوق التي يترتب عليها المزيد من الاستعباد , والحرمان , والأنانية والفردية , ومن ثم المزيد من الفقر والبطاله والمرض , وغياب التعاضد , والتفلت الأمني , والتدمير البيئي ....
ويمكن القول هنا أن الأمه العربية والإسلاميه هي بحاجة أشد من أي وقت مضى إلى الدفاع عن خصوصيتها الثقافية والحفاظ على هويتها العربية بقيمها الإسلاميه ضد هذا النمط الجديد من السيطره الثقافية , كي لا تخضع الأمه بأجمعها وتسقط في التبعية المقيته .
بدائل العولمه
الخيار البديل لحفظ هوية الأمه العربية والإسلاميه , للتعرف على قيمها وعصمتها من السقوط في التبعية الثقافية تكمن في :- دراسة المرحلة الراهنة التي تعيشها أمتنا العربية والاسلاميه للتعرف على المتطلبات الحقيقية التي يعول عليها بأن تحفظ للأمه هويتها الثقافية وقيمها الحضارية في ظل شروط السيطرة والهيمنه الدوليه التي يفرضها النظام العالمي الراهن .
- وعي الأمه بمبادئها وقيمها العربية والإسلاميه واستشعار التحدي الذي تطرحة العولمه الثقافية بآلياتها وأوعيتها المختلفة , والسعي لامتلاك تلك الآليات وملء تلك الأوعية .
ولعل ذلك يكون ممكنا حين تدرك الأمه أن زحف العولمة – لاسيما الثقافية منها – لا يحمل في حقيقتة مقومات بناء , بل عوامل هدم , تسقط من الإنسان وقيمة , وتحط من إنسانيتة .
وأخيرا نعرض لجملة من التوصيات بغية الإسهام في بلورة هذا الخيار وهي :
1- يجب تحقيق تكامل اقتصادي وسياسي ( عربي إسلامي ) لتكوين قاعدة عربية إسلاميه تمكن الأمه من أمتلاك قوه دفاعية تصون حريتها وتحفظ كرامتها وذاتها الحضارية ( واعتصموا بحبل الله ولا تفرقوا ).2- الانطلاق بالعقل العربي للقيام بدوره في العمل على ترسيخ الهويه الثقافية الدينية من خلال مقوماتها الذاتية التربوية والتعليمية , والتثقيفية والإخلاقية والسلوكية بعيدا عن الجمود والانعزال , كي تفتح أمام الأجيال العربية والإسلاميه آفاق رحبة تمكنها من الإبداع ومسايرة العصر والنهوض بمجتمعاتها وأمتها .
3- الاتجاه نحو إصلاح وبناء منظومة القيم الثقافية العربية والإسلاميه والأعتراف بقصور انظمتنا القائمة الأجتماعية والثقافية , والأنطلاق من هذا القصور إلى بناء الذات , لنتمكن من اختراق الهامشية وكسر آليات التبعية
4- توجية السياسة لحماية الثقافة لا أن تنفصل عنها , لأن حماية الثغور الثقافية لايقل أهمية عن حماية الحدود القطرية , ولأنها دين فمهمة الحاكم المسلم حراسة الدين وسياسة الدنيا به
5- امتلاك الأمه للوعي الجاد والصادق بحجم أخطار السيطرة الثقافية والحضارية التي تقبع عليها ( ود الذين كفروا لوتغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميله واحدة ) , وأن لا تجعل من تلك السيطرة عامل خوف يثنيها عن إدراك العيوب وإصلاحها , أو التنكر للذات والخضوع والاستسلام ( ولا تهنو ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين )
6- ولكي ندافع عن هويتنا لا بد أن نحيي فيها العالمية أولا ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) , من أفق الحوار الحضاري والتعدد الثقافي الذي يمثل القمة في ثقافتنا العربية والإسلامية ( يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ) .