أجمل قصص العشق والعشاق
ما روي عن أنه أخرج خالد بن الوليد المخزومي رضي الله تعالى عنه إلى مشركي خزاعة قال خالد: فأخرجني إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرة آلاف فارس من أهل النجدة والبأس قال: فجد بنا المسير إليهم فسبق إليهم الخبر فخرجوا إلينا فقاتلناهم قتالاً شديداً حتى تعالى النهار وطار الشرار وهاجت الفرسان وتلاحمت الأقران فلولا الله تعالى أيدنا بنصره لكادت الدائرة أن تكون علينا ولكن تداركنا الله برحمة منه فهزمناهم وقتلناهم قتلاً ذريعاً ولم ندع لهم فارساً إلا قتلناه ثم طلبنا البيوت فنهبنا وسبينا فلما هدأ القتال والنهب أمرت أصحابي بجمع السبايا لنقدم بهن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما خرجنا وأحصيناهم خرج منهم غلام لم يراهق الحلم ولم يجر عليه القلم وهو ماسك بشابة جميلة فقلنا له: يا غلام انعزل عن النساء فصاح صيحة مزعجة وهجم علينا فوالله لقد قتل منا في بقية نهارنا مائة رجل، قال خالد: فرأيت أصحابي قد كرهوا قتاله وتأخروا عنه فملك منهم جواداً وعلا على ظهره ونادى البرازيا خالد قال: فبرزت إليه بنفسي بعد أن أنشدت شعراً فوالله لم يمهلني حتى أتم شعري بل حمل علي فتطاعنا حتى تكسرت القنا وتضاربنا بالسيوف حتى تفللت فوالله لقد اقتحمت الأهوال ومارست الأبطال فما رأيت أشد من حملاته ولا أسرع من هجماته فبينما نحن نعترك إذ كبا به فرسه فصار بين قوائمه فوثبت عليه وعلوت على صدره وقلت له: إفد نفسك بقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأنا أردك من حيث جئت، قال: يا خالد ما أنصفتني أتركني حتى أجد من نفسي القوة، قال خالد:فتركته وقلت لعله أن يسلم ثم شددته وثاقه وصفدته بالحديد وأنا أبكي إشفاقاً على حسن شبابه ثم أوثقته على بعير لي فلما علم أن لا خلاص له قال: يا خالد سألتك بحق إلهك إلا ما شددت ابنة عمي على ناقة أخرى إلى جانبي؟ قال خالد: فأخذتها وشددتها على ناقة أخرى إلى جانبه ووكلت بهما جماعة من أشد القوم بالقواضب والرماح وسرنا، فلما استقامت مطاياهما جعل الغلام والجارية يتناشدان الأشعار ويبكيان إلى آخر الليل فسمعته يذكر قصيدة يسب فيها الإسلام ويذكر أن لا يسلم أبداً فأخذت السيف وضربته فرميت رأسه فصاحت الجارية وأكبت صارخة فحركتها فوجدتها ميتة فأبركنا الأباعر وحفرنا ودفناهما فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبلنا نحدثه بعجيب ما رأينا مع الغلام فقال: لا تحدثوني شيئاً أنا أحدثكم به فقلنا: من أعلمك به يا رسول الله؟ قال:
أخبرني جبريل عليه السلام وتعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم من موافقتهما وموافقة أجلهما.
ومن أجمل قصص العشق أيضا :
ما حكاه الثوري، قال: حدثني جبلة بن الأسود وما رأيت شيخاً أصبح ولا أوضح منه قال: خرجت في طلب إبل لي ضلت، فما زلت في طلبها إلى أن أظلم الظلام وخفيت الطريق فسرت أطوف وأطلب الجادة فلا أجدهما فبينما أنا كذلك إذ سمعت صوتاً حسناً بعيداً وبكاء شديداً فشجاني حتى كدت أسقط عن فرسي فقلت لأطلبن الصوت ولو تلفت نفسي فما زلت أقرب إليه إلى أن هبطت وادياً فإذا راع قد ضم غنماً له إلى شجرة وهو ينشد ويترنم:وكنت إذا ما جئت سعدى أزورها أرى الأرض تطوي لي ويدنو بعيدها
من الحفرات البيض ود جليسها إذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها
قال، فدنوت منه وسلمت عليه فرد السلام وقال: من الرجل؟ فقلت: منقطع به الممالك أتاك يستجيربك ويستعينك، قال: مرحباً وأهلاً انزل على الرحب والسعة فعندي وطاء وطئ وطعام غير بطيء فنزلت فنزع شملته وبسطها تحتي ثم أتاني بتمر وزبد ولبن وخبز ثم قال: اعذرني في هذا الوقت فقلت والله إن هذا لخير كثير فمال إلى فرسي فربطه وسقاه وعلفه فلما أكلت توضأت وصليت واتكأت فإني لبين النائم واليقظان إذ سمعت حس شيء وإذا بجارية قد أقبلت من كبد الوادي فضحت الشمس حسناً فوثب قائماً إليها وما زال يقبل الأرض حتى وصل إليها وجعلا يتحادثان فقلت هذا رجل عربي ولعلها حرمة له، فتناومت وما بي نوم فما زالا في أحسن حديث ولذة مع شكوى وزفرات إلا أنهما لا يهم أحدهما لصاحبه بقبيح فلما طلع الفجر عانقها وتنفسا الصعداء وبكى وبكت ثم قال لها: يا ابنة العم سألتك بالله لا تبطئي عني كما أبطأت الليلة، قالت: يا ابن العم أما علمت أني أنتظر الواشين والرقباء حتى يناموا ثم ودعته وسارت وكل واحد منهما يلتفت نحو الآخر ويبكي، فبكيت رحمة لهما وقلت في نفسي والله لا أنصرف حتى استضيفه الليلة وأنظر ما يكون من أمرهما، فلما أصبحنا قلت له: جعلني الله فداءك الأعمال بخواتيمها وقد نالني أمس تعب شديد فأحب الراحة عندك اليوم، فقال: على الرحب والسعة لو أقمت عندي بقية عمرك ما وجدتني إلا كما تحب ثم عمد إلى شاة فذبحها وقام إلى نار فأججها وشواها وقدمها إلي فأكلت وأكل معي إلا أنه أكل أكل من لا يريد الأكل، فلم أزل معه نهاري ذلك ولم أر أشفق منه على غنمه ولا ألين جانباً ولا أحلى كلاماً إلا أنه كالولهان ولم أعلمه بشيء مما رأيت فلما أقبل الليل وطأت وطائي فصليت وأعلمته أني أريد الهجوع لما مر بي من التعب بالأمس، فقال لي: نم هنيئاً، فأظهرت النوم ولم أنم فأقام ينتظرها إلى هنيهة من الليل فأبطأت عليه فلما حان وقت مجيئها قلق قلقاً شديداً وزاد عليه الأمر فبكى ثم جاء نحوي فحركني فأوهمته أني كنت نائماً فقال: يا أخي، هل رأيت الجارية التي كانت تتعهدني وجاءتني البارحة، قلت: قد رأيتها، قال: فتلك ابنة عمي وأعز الناس علي وإني لها محب ولها عاشق وهي أيضاً محبة لي أكثر من محبتي لها، وقد منعني أبوها من تزويجها لي لفقري وفاقتي وتكبر علي فصرت راعياً بسببها فكانت تزورني في كل ليلة وقد حان وقتها الذي تأتي فيه واشتغل قلبي وتحدثني نفسي أن الأسد قد افترسها، ثم أنشأ يقول:
ما بال مية لا تأتي كعادتها أعاقها طرب أم صدها شغل
نفسي فداؤك قد أهللت بي سقماً تكاد من حرة الأعضاء تنفصل
قال: ثم انطلق عني ساعة فغاب وأتى بشيء فطرحه بين يدي فإذا هي الجارية قد قتلها الأسد وأكل أعضاءها وشوه خلقتها ثم أخذ السيف وانطلق فأبطأ هنيهة وأتى ومعه رأس الأسد فطرحه ثم أنشأ يقول:
ألا أيها الليث المدل بنفسه هلكت لقد جريت حقاً لك الشرا
وخلفتني فرداً وقد كنت آنساً وقد عادت الأيام من بعدها غبرا
ثم قال: بالله يا أخي إلا ما قبلت ما أقول لك فإني أعلم أن المنية قد حضرت لا محالة فإذا أنا مت فخذ عباءتي هذه فكفني فيها وضم هذا الجسد الذي بقي منها معي، وادفناني في قبر واحد وخذ شويهاتي هذه وجعل يشير إليها فسوف تأتيك امرأة عجوز هي والدتي فاعطها عصاي هذه وثيابي وشويهاتي وقل لها مات ولدك كمداً بالحب فإنها تموت عند ذلك فادفنها إلى جانب قبرنا وعلى الدنيا مني السلام، قال: فوالله ما كان إلا قليل حتى صاح ووضع يده على صدره ومات لساعته، فقلت:
والله لأصنعن له ما أوصاني به فغسلته وكفنته في عباءته وصليت عليه ودفنته ودفنت باقي جسدها إلى جانبه وبت تلك الليلة باكياً حزيناً فلما كان الصباح أقبلت امرأة عجوز وهي كالولهانة فقالت لي:
هل رأيت شاباً يرعى غنماً فقلت لها: نعم، وجعلت أتلطف بها ثم حدثتها بحديثه وما كان من خبره فأخذت تصيح وتبكي وأنا ألاطفها إلى أن أقبل الليل وما زالت تبكي بحرقة إلى أن مضى من الليل برهة فقصدت نحوها فإذا هي مكبة على وجهها وليس لها نفس يصعد ولا جارحة تتحرك فحركتها فإذا هي ميتة فغسلتها وصليت عليها ودفنتها إلى جانب قبر ولدها وبت الليلة الرابعة فلما كان الفجر قمت فشددت فرسي وجمعت الغنم وسقتها فإذا أنا بصوت هاتف يقول:
كنا على ظهرها والدهر يجمعنا والشمل مجتمع والدار والوطن
فمزق الدهر بالتفريق ألفتنا وصار يجمعنا في بطنها الكفن
قال: فأخذت الغنم ومضيت إلى الحي لبني عمهم فأعطيتهم الغنم وذكرت لهم القصة فبكى عليهم أهل الحي بكاء شديداً ثم مضيت إلى أهلي وأنا متعجب مما رأيت في طريقي.
ومن أجمل قصص العشق أيضا :
ومن ذلك... ما حكي أن زوج عزة أراد أن يحج بها فسمع كثير الخبر فقال: والله لأحجن لعلي أفوز من عزة بنظرة، قال: فبينما الناس في الطواف إذ نظر كثير لعزة وقد مضت إلى جمله فحيته ومسحت بين عينيه وقالت له: يا جمل فبادر ليلحقها ففاتته فوقف على الجمل وقال:حيتك عزة بعد الحج وانصرفت فحي ويحك من حياك يا جمل
لو كنت حييتها ما كنت ذا سرف عندي ولا مسك الإدلاج والعمل
قال: فسمعه الفرزدق فتبسم وقال له: من تكون يرحمك الله، قال: أنا كثير عزة فمن أنت يرحمك الله.
قال: أنا الفرزدق بن غالب التميمي، قال: أنت القائل:
رحلت جمالهم بكل أسيلة تركت فؤادي هائماً مخبولا
لو كنت أملكهم إذا لم يرحلوا حتى أودع قلبي المتبولا
ساروا بقلبي في الحدوج وغادروا جسمي يعالج زفرة وعويلا
فقال الفرزدق: نعم، فقال كثير: والله لولا إني بالبيت الحرام لأصيحن صيحة أفزع هشام عبد الملك وهو سرير ملكه، فقال الفرزدق: والله لأعرفن بذلك هشاماً ثم توادعا وافترقا، فلما وصل الفرزدق إلى دمشق دخل إلى هشام بن عبد الملك فعرفه بما اتفق له مع كثير فقال له: اكتب إليه بالحضور عندنا لنطلق عزة من زوجها ونزوجه إياها، فكتب إليه بذلك فخرج كثير يريد دمشق فلما خرج من حيه وسار قليلا رأى غراباً على بانة وهو يفلي نفسه وريشه يتساقط فاصفر لونه وارتاع من ذلك، وجد في السير ثم إنه مال ليسقي راحلته من حي بني فهد وهم زجرة الطير، فبصر به شيخ من الحي فقال: يا ابن أخي أرأيت في طريقك شيئاً فراعك؟ قال: نعم، رأيت غراباً على بانة يتفلى وينتف ريشه فقال له الشيخ: أما الغراب فإنه اغتراب والبانة بين والتفلي فرقة، فازداد كثير حزناً على حزنه لما سمع من الشيخ هذا الكلام وجد في السير إلى أن وصل إلى دمشق ودخل من أحد أبوابها فرأى الناس يصلون على جنازة فنزل وصلى معهم، فلما قضيت الصلاة صاح صائح لا إله إلا الله ما أغفلك يا كثير عن هذا اليوم، فقال: ما هذا اليوم يا سيدي؟ فقال: إن هذه عزة قد ماتت وهذه جنازتها فخر مغشياً عليه، فلما أفاق أنشأ يقول:
فما أعرف الفهدي لا در دره وأزجره للطير لا عز ناصره
رأيت غراباً قد علا فوق بانة ينتف أعلى ريشه ويطايره
فقال غراب واغتراب من النوى وبانة بين من حبيب تعاشره
ثم شهق شهقة فارقت روحه الدنيا ومات من ساعته ودفن مع عزة في يوم واحد.
وحكى الأصمعي: قال: بينما أنا أسير في البادية إذ مررت بحجر مكتوب عليه هذا البيت:
أيا معشر العشاق بالله خبروا إذا حل عشق بالفتى كيف يصنع
فكتبت تحته:
يداري هواه ثم يكتم سره ويخشع في كل الأمور ويخضع
ثم عدت في اليوم الثاني فوجدت مكتوباً تحته:
فكيف يداري والهوى قاتل الفتى وفي كل يوم قلبه يتقطع
فكتبت تحته:
إذا لم يجد صبراً لكتمان سره فليس له شيء سوى الموت أنفع
ثم عدت في اليوم الثالث فوجدت شاباً ملقى تحت ذلك الحجر ميتاً لا حول ولا قوة إلا بالله العلي
العظيم وقد كتب قبل موته:
سمعنا أطعنا ثم متنا فبلغوا سلامي على من كان للوصل يمنع
وحكي أيضاً عن الأصمعي رحمه الله تعالى أنه قال: بينما أنا نائم في بعض مقابر البصرة إذ رأيت جارية على قبر تندب وتقول:
بروحي فتى أوفى البرية كلها وأقواهم في الحب صبراً على حب
قال: فقلت لها يا جارية بم كان أوفى البرية وبم كان أقواها؟ فقالت: يا هذا، إنه ابن عمي هويني فهويته فكان إن أباح عنفوه وإن كتم لاموه فأنشد بيتي شعر وما زال يكررهما إلى أن مات والله لأندبنه حتى أصير مثله في قبر إلى جانبه فقلت لها: يا جارية فما البيتان؟ قالت:
يقولون لي إن بحت قد غرك الهوى وإن لم أبح بالحب قالوا تصبرا
فما لامرئ يهوى ويكتم أمره من الحب إلا أن يموت فيعذرا
ثم إنها شهقت شهقة فارقت روحها الدنيا رحمة الله تعالى عليها والحكايات في ذلك كثيرة،
المصدر كتاب المستطرف في كل فن مستظرف