البحث في العلوم الطبيعية والفيزيائية
قبل أن نبدأ في البحث العلمي الخاص بالعلوم الطبيعية سنتعرف على بعض المفاهيم
التي تخصة :
العلوم الطبيعية هي العلوم التي تدرس المادة وعلاقتها بالزمان والمكان
والحركة والمادة والطاقات الصادرة عنها وهي علوم الواقع والتجارب .
ومن خصائصها أيضا :
1- محددة المواضيع زمانا ومكانا , ويمكن قياسها كميا
2- تقتصر على دراسة الظواهر الحسية ( الحواس اوالادوات العلمية
العملية )
3- تعتمد على القوانين والمبادئ العقلية كا السببية والضرورة
.......................الخ
4- تنتج عنها الكثير من المخترعات والابتكارات الميكانيكية والديناميكية
موضوع العلوم الطبيعية
تدرس الوجود المادي والواقع الخارجي ومابة من نظم كونية وظواهر طبيعية ,
ومايسودها من قوانين , ومايؤثر عليها من عوامل واسباب , لاجل الوصول إلى قوانينها
حال ثباتها وتغيرها والإفادة منها في حياة البشرية جمعاء .
المنهج ( البحث )التجريبي في العلوم الطبيعية :
هو الاسلوب الذي يعتمد في دراستة للموضوعات والظواهر على الإدراك الحسي
أوالملاحظة العلمية المنظمة بواسطة التجربة أو الملاحظة المعملية لسلوك الظاهرة
التي يدرسها العالم أو يكتشف عللها , والقوانين التي تتحكم فيها ويسمى ذلك
بالاستدلال التجريبي أو الاستقراء
ويمكن تعريف الاستقراء بانة كلمة تعني يقود أو يسوق , ويقصد بها حركة الذهن
او العقل للقيام بعملية تؤدي إلى الوصول إلى قانون أو مبدأ أوقضية كلية تحكم
الجزئيات التي تخضع لإدراكنا الحسي ولمعطيات موجودة في العالم الخارجي .
وفية يتم التدرج من الجزء إلى الكل .
خطوات المنهج( البحث ) التجريبي في العلوم الطبيعية
مر المنهج التجريبي باربع مراحل : تبدأ المرحلة الاولى من ارسطو , وطور
علماء المسلمين وفلاسفتهم كثيرا في المرحلة الثانية , ووصلت خطواتة إلى فرانسيس
بيكون من خلال (اورجانونة الجديد ) الذي رد على ( اورجانون أرسطو القديم ) بطرقة
الثلاث المعروفة في المرحلة الثالثة , وتوج المرحلة الرابعة ( جون ستيوارت مل
وكلودبرنرد ) في نهاية القرن 19 م وبخاصة تلك الطرق الشهيرة في التحقق من صحة
الفروض عند (مل) التي سنراها لاحقا .
وقد تبلورت خطوات البحث بأربع خطوات أساسية وإذا قسمنا الخطوة الأولى إلى
قسمين تصبح خمس خطوات وهي :
1- الملاحظة والتجربة : وتنقسم الملاحظة إلى قسمين هما :
-الملاحظة العادية -الملاحظة العلمية
الأولى : تمثل نظرة خاطفة وإشارة سريعة إلى مايستدعى الانتباة ومعرفتها سطحية
, وغير منظمة .
الثانية : ملاحظة مقصودة ومنظمة ومخططة ومهيئة بظروفه الزمانية والمكانية
.
أما التجربة : هي ملاحظة موجهة ومقصودة من الباحث , بحيث هو الذي يهيئ لها
الظروف المناسبة ويتدخل في سير الظاهرة المدروسة وضبط متغيراتها حتى تبدو في أفضل
وضع لدراستها ، مثلما يعمل الفيزيائي أو الكيميائي في المعمل في إعداد مكونات
التجربة , ووسائل دراسة المادة المراد فحصها أومعرفة خصائصها , ومراقبة نتائجها
.
ويشترط في الملاحظة العلمية أو التجربة :
- ان تكون موجهة ومقصودة بهدف معين
- الدقة في الملاحظة والتعبير الصادق عن واقعها
- الموضوعية : التركيز على الظاهرة وحدها دون أتباع الميل والهوى
والرغبة الشخصية التي تؤثر على صحة النتائج .
2-مرحلة الكشف (وضع الفروض) :
لايوجد قيمة للملاحظة أو التجربة إلا بعد المحاولة للكشف عن العلاقات
الثابتة التي ممكن أن تربط بينها حتى يمكن وضع قانون عام يتكفل بتفسيرها
والمقصود بوضع الفروض هو ( تكهن الباحث ) بعد الانتهاء من الملاحظة والتجربة
بتفسير مؤقت للظاهرة التي يدرسها ليعرف معلولاتها وعللها , ولا تكفي المشاهدة
والتجربة في تفسير هذة العلاقات , بل تحتاج إلى النظر والتأمل والتعقل ’ لأن الفروض
قائمة على التخمين , ولابد من امتحانها لاثبات صدقها أو بطلانها , فإذا ثبت بطلانها
عاد إلى فروض اخرى حتى تنتهي الى الفرض الذي ثبت بالتجربة أنة صحيح , وأنة كفيل
بتفسير الظاهرة التي يدرسها , ومن ثم يتحول إلى قانون علمي .
وللفروض العلمية عدد من الشروط منها :
أ- الواقعية : أي أنة مستمد من الظاهرة موضوع الملاحظة , وبالامكان
التحقق من التجربة .
ب- المنطقية : لايعارض أوينحرف عن قوانين الفكر الاساسي والمتفق علية
.
ت- أن لايكون معاكسا للحقيقة العلمية المقررة : مثل افتراض أن الأرض
ليست كروية , أو أن الذرة كرة صماء لاتقبل الانقسام .
ث- البساطة : لتبقى في دائرة موضوع الدراسة , ويسهل التحقق منها
.
ج- ألا تكون الفروض مبنية على اساس من المعتقدات الخرافية القديمة كا
أفتراض روخ خبيثة من الجن هي وراء حدوث الزلزال أو البركان .
3-مرحلة البرهان ( التحقق من صحة الفروض ) :
وهي مرحلة إجراء التجربة من أجل التأكد من صحة الفروض و تحويلها إلى قوانين
علمية , وهناك الكثير من القواعد والطرق التي وضعها العلماء لتساعد الباحث على
أختبار مدى صحة الفروض بعد اكتشاف طرق الاستقراء بهدف فحصها لمعرفة صوابها من خطأها
, ويرجع الفضل في ذلك للفيلسوف الانجليزي ( فرانسيس بيكون ) , والذي وضع ثلاث طرق
للتحقق من صحة الفروض قبل أن ياتي العالم ( جون ستيوارت مل ) والذي صاغ عدة طرق
للتحقق من صحة الفروض وهي :
§ طريقة الاتفاق أو التلازم في الوقوع :
يقصد بذلك أن وجود العلة يستلزم وجود المعلول , وتعد تلك طريقة المسلمين في
الفقة وعلم الكلام حين قالوا باضطراد العلة , أي أنها تدورمع الحكم وجودا , وهي
كذلك تقارب قائمة الحضور عند بيكون مثال تفسير ظاهرة الندى أوالطل لمعرفة علة
تكوينة , فقد لاحط ويلز أن الضباب يتكاثف على سطح الزجاج شتاء , وبخار الماء يتكاثف
على جدار الكوب إذاكان فية ثلجا , وعلى سطح المرآة عند نفخ الزفير فيها , ومن هنا
استنتج أن ( بخار الماء يتكاثف على سطح الاجسام , متى كانت حرارتها أقل من حرارة
الجو المحيط بها )
§ طريقة الاختلاف أوالتلازم في التخلف :
ومفادها أن غياب العلة يؤدي بالضرورة إلى غياب المعلول الخاص بها , وسمها
علماء الاسلام العلة المنعكسة أي أنها تدور مع الحكم عدما , وسماها بيكون قائمة
الغياب مثال :
- يحيا الانسان في الجو المليء بالاكسجين , ويتوقف نفسة إذا خلا الجو
من الاوكسجين , فالاوكسجين على التنفس .
- يدق الناقوس متى اهتز في إناء بة هواء ’\, ويختفي صوتة متى فرغ
الإناء من الهواء , اي ان الهواء علة الصوت .
§ طريقة الجمع بين الاتفاق والاختلاف :
وهي تجمع بين الطريقتين السابقتين , أي ان وجود العلةيستلزم وجود معلولها ,
وغياب العلة يستلزم غياب معلولها .
ويجري الباحث الطريقتين لبيان العلاقة الطردية بين العلة والمعلول وجودا
وعدما , حضورا أو غيابا , وسماها المسلمون (الدوران) للعلة مع معلولها وجودا وعدما
, مثال :
دراسة اسباب حمى الوادي المتصدع التي أصابت الماشية في مناطق ته امة , لمعرفة
مصدرها , فأفترضت الدراسة أولا : أن على الحمى هو وجود فيروس نشأ بسبب وباء
المنطقة وتلوث المياة واطعمة الحيوانات , وافترضت سببا أخر لانتشار الفيروص وهو
هبوب الرياح المحملة بهذا الفيروس من الشمال , فطبقت التجربتين في مكانين مختلفين
فتبين أنة في المناطق البعيدة عن هبوب الرياح الشمالية يختفي الفيروس , وبالمناطق
القريبة من اتجاة الرياح يظهر الفيروس .
وبغض النظر عن صحة المثال فإن المقصود بة الطريقة التي تجكه بين الاتفاق
والاختلاف .
§ طريقة التغير أو التلازم في التغير :
ويقصد بها كلما تغيرت العلة تغير معها معلولها بطريقة طردية بمعنى إذا قلت
العلة قل أحتمال ظهور المعلول , وإذا زادت العلة زاد احتمال ظهور المعلول , مثال
مدى زيادة أثر البطالة في وقوع الجريمة , أو زيادة ألكالسيوم في طعام الأطفال ونمو
عظامهم . والنتيجة أن المعلول يتغير مع العلة بطريقة طردية .
§ مرحلة التعميم أو القانون العام :
وهي الخطوة الأخيرة في منهج البحث الاستقرائي , وفيها يصل الباحث إلى اصدار
حكمة العام , بعد التأكد من صحة الأحكام الجزئية بالخطوات السابقة , وهذا التعميم
أو الحكم هومايعرف بالقانون العلمي – ويمثل قاعدة كلية ليفسر كل الظواهر
المتشابهة , وعلية تبنى النظريات العلمية.
ويتميز هذا القانون بعدة سمات :
- أنة وصف تقريري للواقع كما هو لا كماينبغي , ومع هذا يسمح بالتنؤ
بالمستقبل .
- أنة تجريبي وعقلي معا لأنة يعتمد على مبادئ عقلية وهذة المبادئ
تكتسب مصداقيتها من التجربة الحسية .
- أنة ذو صيغة كلية عامة وشاملة لكل الظواهر المتشابهة .
نظرة تقدير لتطورات المنهج العلمي المعاصر :
المعرفة في عصرنا الحاضر لم تعد مقصورة على العلوم الطبيعية فقط , لكنها
امتدت الى علوم ومجالات أخرى كثيرة من المجالات المعرفية الإنسانية بع إمكانية
تطبيق المنهج التجريبي في هذة المجالات .
ولم يعد المنهج العلمي حاليا مقصورا على جملة الخطوات السابقة التي تم
دراستها , بل ولم تعد الأدوات نفسها أو الاساليب المحدودة نفسها هي التي يستخدمها
الباحث العلمي للتحقق من صحة الفروض , في الملاحظة أو التجربة , بل صار المنهج
العلمي هو كل طريقة علمية منطقية يمكن معها تفسير الظواهر تفسيرا علميا وتؤدي إلى
نتائج لتنطبق عليها صفة القانون العلمي , فهناك الكثير من الأساليب المتطورة
والمستخدمة في الدراسة العلمية كالأساليب الاحصائية والرياضية والمسوحات الوصفية
والتفسيرية والكمية , والكيفية , وكذلك المقابلة والاستبيان والاختبار والمعايشة
والوثائق المادية المصورة والمكتوبة , والجداول الإحصائية اليدوية أو الآلية ,
واجهزة المراقم والآلات الحاسبة والعدسات المكبرة , أصبحت كلها أساليب علمية في
التحقق من صحة الافتراضات باي وجة من الوجوة.
خطوات منهج البحث العلمي المعاصر
1- تحديد المشكلة أو الظاهرة المراد دراستها .
وفي هذة الخطوة الجديد يستطيع الباحث أن يتجاوز مرحلة الملاحظة إلى أستخدام
الآلات التي تزيد في قوة الادراك الحسي , وتضبط النتائج وتصحح متغيرات الظاهرة ,
بحيث يتخلص إدراكنا الحسي من كل الاعتبارات التي تضعفة أو تتلفة كسرعة استجابة
الباحث , وسرعة تفسير الظاهرة , واختيار ما يصلح منها للدراسة في ضوء ماهو متاح
من العوامل والظروف الزمانية والمكانية والامكانات المادية والعملية الأساسية
والمساعدة .
2- جمع البيانات والمعلومات ذات الصلة بموضوع الظاهرة المراد دراستها
باستخدام العديد من الوسائل المناسبة ذات التقانة المعلوماتية والتكنولوجية الجديدة
.
3- البحث عن القوانين أوالعلاقات الضرورية التي تربط بين الظاهرتين
أو بين ظواهر متعاقبة مقترنة في الزمان والمكان , وهذة تصب في قوالب رياضية تؤكد
أن العلاقة ب\تصدق بوجة عام في كل الظروف , وفي كل الحالات مثل قانون الجاذبية
الذي يربط بين الكتلتين والمسافة بما يسمى بالقوة الجاذبية والتوصل إلى هذة
القوانين هو عملا عقليا صرفا , وليس مجرد قراءة ذكية بارعة للظواهر , كما كان
يعتقد (جون ستيوارت مل )ومصدر هذةالقوانين في المنهج المعاصر هي :
النظريات العلمية السابقة , القوانين العقلية الثابتة في الفكر الإنساني ,
وخبرات الآخرين , وهي ماتعرف بالدراسات السابقة , وماتوصلت إلية النتائج , فتتحول
عند الباحث إلى مجرد فروض قابلة للتحقق من جديد .
4- التحقق من صدق القوانين , إما بالتجريب أو بإعادة إجراء الملاحظة
عليها , واختبار الأفكار عن طريق ظواهر يستحدثها الباحث أو يتنبأ بها ( أي البحث عن
وقائع تؤيد أو تبطل هذة النتائج , فإذا بطلت وجب على الباحث إبدالها بفروض أخرى ثم
يعيد الطرق أو الأساليب السابقة من حديد في التحقق .
كماأن الفرضيات وفق المنهج المعاصر حتى يسهل قياسها تخضع لطريقة أولية تسمى
بالتحكيم , وذلك لقياس جوانب الصدق والثبات فيها الأمر الذي يقلل من حدوث أخطاء في
بناء الفروض من جهة , ويقلل درجة الغش في تطبيقها أو التحقق من صدقها من جهة أخرى
.
وقد أدى تطبيق هذا المنهج العلمي المعاصر إلى المزيد من كشوفات الطبيعة
الحديثة , كما تبدوا في النظريات المغناطيسية الكهربائية , وقوانين الحركة ,
وأبعاد النظرية النسبية الثلاثة ( الزمان – المكان – الفضاء ) ونحو ذبك في علوم
أخرى مما أفضى إلى إنفجار معرفي هائل في العصر الحاضر , وهو ما نحتاج إلية في
فكرنا , ومنظومتنا العلمية , وثقافتنا العربية المعاصرة من أجل اللحاق بركب الأمم
المتقدمة .