التطور التاريخي لإدارة الإنتاج

   نظم الإنتاج وجدت منذ وجد الإنسان على الأرض إذ حققت انجازات ضخمة على مدى التاريخ مثل سور الصين العظيم وأهرامات مصر وسفن الرومان وغيرها. إلا أن نلك الانجازات يمكن تصنيفها علمى أنها مشاريع قطاع عام. فإنتاج السلع للبيع باستخدام المفهوم الحديث لنظم التصنيع جذوره تمتد فقط لحقبة ما يسمى بالثورة الصناعية. وبشكل عام  عام يمكن تقسيم عوامل تطور إدارة الإنتاج بدأ من الثورة الصناعية إلى ثلاثة عوامل وهي: 1) الثورة الصناعية 2) منهج الإدارة العلمية 3) منهج العلاقات الإنمائية. وفيما يلي تقديم موجز لكل منها:

الثورة الصناعية (Industrial Revolution) :

   الثورة الصناعية بدأت في ستينيات القرن السابع عشر الميلادي في إنجلترا وامتد تأثيرها لبقية أقطار أوروبا والولايات المتحدة خلال القرن التاسع عشر. فخلال تلك الحقبة ظهرت اختراعات غيرت وجه الإنتاج الصناعي للأبد وجعلت بالإمكان استبدال المعدات الخشبية البسيطة المستخدمة في التصنيع آنذاك بماكينات قوية مصنوعة من الحديد. ومن أبرز تلك الاختراعات ظهور المحرك البخارى علمى يد جيمس وات في العام 1764م والذي مكن من تشغيل الماكينات باستخدام الفحم كمصدر للطاقة، وكذلك ظهور المغزل الصوفي على يد أدموند كارتراتيكس في العام 1785 م والذي أحدث ثورة في صناعة النسيج.
هذه الاختراعات صاحبها ظهور بمبض الافكار والمفاهيم من أبرزها مفهوم تجزئة العمل Division of (Labour) الذي طرحه آدم سميث عام 1775 م في كتابه ثروة الأمم ومفهوم تبادلية القطع (Interchangeable Parts) الذي طرحه إيلي ويتني  عام 1790م. فمفهوم تجزئة العمل يقضي بتقسيم العمل إلى عناصر أصغر حيث يمكن تنفيذها على التوازي من قبل مجموعة من العمالة بدل إسناد كامل العمل لعامل واحد، مما يؤدي لتقليل مستوى المهارة المطلوب و تقليل متوسط الوقت اللازم لإنتاج الوحدة. ومفهوم تبادلية القطع يقوم على فكرة  تطابق القطع (تشابهها التام) التي تخدم نفس  الغرض بحيث لا يفرق أي منها تم اختياره للمنتج  القادم على خط الإنتاج. تلك الانجازات المرتبطة بحقبة الثورة الصناعية تم تتويجها بتطوير نظم معيارية للقياس مما ساهم لاحقا في إحداث نقلة من التقليد السائد آنذاك بإنتاج منتجات محدودة العدد مصممه حسب الطلب لكل زبون باتجاه إنتاج المنتجات القياسية التي يمكن تسويقها  لملايين الزبائن .

الإدارة العلمية (Scientific Management)

  برغم التغيرات الجذرية التي طرأت على أساليب الإنتاج خلال حقبة الثورة الصناعية إلا أن الجانب الإداري لم يتطور بنفس الوتيرة بسبب الافتقار لمنهج علمي للإدارة. ونتيجة لذلك قام العالم فريدريك تايلور بتأليف كتابه الشهير مبادئ الإدارة العلمية  في العام 1911 م، والذي من خلاله أسس لما يسمى بمنهج الإدارة العلمية    يعتمد على التجربة     والقياس لاستقراء النتائج وتحليلها بهدف زيادة    الإنتاجية من خلال إيجاد أفضل طرق للعمل (Work Methods). ويرى تايلور بأن مسؤوليات الإدارة تتضمن بالإضافة لاختيار أفضل طرق الممل، مهاما مثل التخطيط واختيار وتدريب العمالة والفصل بين الأعمال الإدارية والأعمال الفنية. وقام عدد من الباحثين بعد فريدريك تايلور بإثراء منهج الإدارة العلمية، من أبرزهم فرانك غيلبريث وهنرى جانت ورجل الصناعة هنري فورد. ففرانك غيلبريث مهندس صناعي  سمى بـ“  أب دراسة  الحركة”   قدم الكثير  مجال الإدارة العلمية ومن أبرز انجازاته تطوير مبادئ اقتصاد الحركة Motion) (Economy والذي يمكن تطبيقه على أجزاء صغيرة من العمل بعد تجزئته. هنري جانت قام بدراسة تأثير الحوافز غير المالية على أداء العمالة، وكذلك ابتكر احد أشهر الأدوات المستخدمة حتى اليوم في مجال الجدولة والمعروفة بـ خرائط جانت (Gantt Chart). وهنري فورد رجل الصناعة الأمريكي ومؤسس شركة فورد للسيارات في مستهل القرن الماضي استخدم منهج الإدارة العلمية بشكل  مكثف في خط التجميع الذي أسسه في  مصنعه كأول خط لتجميع السيارات في العالم وأصبح فورد من خلاله رائد عملية  التحول للإنتاج الكمي (Mass Production). ومن أبرز مفاهيم الإدارة العلمية التي  اعتمد عليها فورد في  تجربته الرائدة مفهومي تبادلية القطع و تجزئة العمل الذين تم الإشارة إليهما سابقا.
وتواصلت الإنجازات في مجال الإدارة العلمية خصوصا بعد ظهور النماذج والأساليب الرياضية لمعالجة مسائل اتخاذ القرار المعقدة. واستخدام تلك النماذج بدأ بشكل موسع مع نشوب الحرب العالمية الثانية والتي صاحبها ضغوط على المنتجين والعلماء من جميع التخصصات تقريبا لزيادة وتنويع مخرجات الإنتاج الصناعي والخدمي وزيادة كفاءة الإنتاج. بسبب الحرب وظهور الحاسب الرقمي وتقنيات الأتمتة بشكل  تجاري في مستهل الخمسينيات، فإن الفترة  من بدء الحرب حتى نهاية سبعينيات القرن شهدت تطوير ع د كبير جدا من النماذج الرياضية التطبيقية لمعالجة  الكثير من مسائل اتخاذ القرارات في نظم الإنتاج. ومن الصعب استعراض جميع تللى التطورات هنا لكن على سبيل المثال نذكر من الأمثلة البارزة على تلك التطورات ظهور أسلوب البرمجة الخطية (Linear Programming) المستخدم حتى  اليوم  في معالجة الكثير من المسائل التطبيقية في  إدارة الإنتاج والذي أقترحه جورج دانتزنغ  في  العام 1947 م، ونظام التخطيط للاحتياج من المواد (MRP) الذي طوره جو  أورليكي  عام 1960م  والمستخدم أيضا بكثافة اليوم وسيتم مناقشته في مواضيع مستقلة لاحقا.
ومنذ مستهل ثمانينيات القرن الماضي وحتى الآن تركزت الجهود في إدارة الإنتاج على مقاومة المنافسة الشرسة في الأسواق من خلال الاهتمام بجوانب مثل الجودة والمرونة وتقليل الوقت وتكامل المعلومات. لذا  برزت نظم لمعايير الجودة مثل نظام 9000-ISO و 14000-ISO ومنهج إدارة الجودة الشاملة (TQM) ، وظهر مفهوم وتقنية  نظم التصنيع المرنة (Flexible Manufacturing Systems) ومفهوم التصنيع المتكامل بالحاسب (Computer Integrated Manufacturing) وغيرها الكثير من المفاهيم والتقنيات التي ساهم التوسع في استخدام الإنترنت منذ بداية التسعينيات بتسهيل استخدامها.

منهج العلاقات الإنسانية (Human Relations Movement):

عدد من الباحثين أنتقد منهج الإدارة العلمية لتركيزه على الجانب الفني في تصميم العمل وإغفال تأثير العنصر البشري والعلاقات الإنسانية في ببيئة العمل. نتج عن ذلك منهج مكمل للإدارة للعلمية يعرف بـ منهج العلاقات الإنسانية. ومعظم المؤسسين لهذا المنهج من المتخصصين في علم النفس الصناعي ومن أبرزهم: ليليان غيبرليث ، وإلتون مايو ، وإبراهام ماسلو، وفريدريك  هيرتزبرغ، ودوغلاس ماغريغور، و وليام كوتشي. ومعظم دراسات هؤلاء الرواد الأوائل لمنهج العلاقات الإنسانية تركزت في جانب تحفيز الإنسان ودراسة تأثير بيئة العمل على أدائه.
فليليان غيلبريث  والملقبة بـ أم الإدارة الحديثة قدمت خلال ثلاثينيات القرن الماضي الكثير من الدراسات حول المواصفات التي يجب مراعاتها عند  تصميم بيئة العمل لكي يستطيع الإنسان العمل بدون التعرض للأحمال الثقيلة أو الارتفاعات أو عدد ساعات العمل الخارجة عن حدود إمكاناته البشرية. وفي الثلاثينيات أجرى “إلتون مايو”  دراسات موسعة لمصلحة شركة جنرال إليكتريك خلص فيها إلى وجود علاقة مؤثرة جدا بين الحافز لدى العامل ومستوى إنتاجيته. وفي الأربعينيات طرح  إبراهام ماسلو عدة نظريات لتحفيز العاملين، تم تنقيحها في الخمسينيات بواسطة فريدريك هيرتزبرغ. وفي الستينيات قام دوغلاس ماكريغور بدراسة تطبيقية للمقارنة بين فرضيتين متناقضتين أسماهما X و X .Y تفترض سلبية شعور العامل تجاه العمل ولذا فإنه يلزم التعامل به على أساس نظام الثواب والعقاب. Y على النقيض من ذلك تفترض أن الأصل في العامل هو حبه لعمله والاستمتاع بأدائه. ونتائج الدراسة أظهرت أن التعامل مع العاملين على أساس الفرضية X نتج عنه بيئة عمل فيها الكثير من مشاعر الاحتقان والإحباط بينما الفرضية Y نتج عنها ببيئة تتسم بروح التعاون زيادة الإنتاجية. وفي السبعينيات طن وليام كوتشي نظرية أسماها النظرية Z تدمج بين منهجين مختلفين في الإدارة وهما: المنهج الياباني الحديث (ذي الخصائص مثل ارتباط العامل بالمنشأة مدى الحياة واتخاذ القرار بالإجماع) والمنهج الغربي التقليدي (ذي الخصائص مثل التوظيف قصير المدى والفردية في اتخاذ القرار)  .
أحدث أقدم

تفعيل منع نسخ المحتوي