تقديم :
تعريف الكلام ، وتعريف الجملة ، والفرق بينهما :
عرف
ابن هشام الكلام : بالقول المفيد بالقصد (1) .
ثم
عرفه في موضع آخر بقوله : اعلم أن اللفظ المفيد يسمى كلاما ، وجملة . ونعني بالمفيد
ما يحسن السكوت عليه ، وأن الجملة أعم من الكلام ، فكل كلام جملة ، ولا ينعكس (2) .
نستخلص من التعريفين السابقين أن الكلام هو مجموعة الكلمات التي تكون مع
بعضها البعض بناء لغويا مفيدا يحسن السكوت عليه . وهذا في حد ذاته ما يعرف بالجملة
التامة المعنى ، سواء أكانت جملة اسمية ، أو فعلية .
نحو
: محمد مجتهد . أو جاء محمد . أو ما هو في منزلتهما .
نحو
: جلدا السارق . أو : إن الطالب مؤدب .
أما
عمومية الجملة فالمقصود به كون مجيئها تامة المعنى ، كما مثلنا ، أو ناقصة لا تعطي
معنى يحسن السكوت عليه . نحو : إن جاء محمد ، أو : إذا حضر الماء .
وما
إلى ذلك . ومن هنا فالجملة أعم من الكلام ، لأن حد الكلام أن يكون قولا مفيدا ، في
حين أن الجملة قد تكون مفيدة ، أو لا تكون ، كما أوضحنا .
أقسام الجملة :
تنقسم الجملة إلى قسمين : ـ
أولا ـ جملة اسمية : وهي كل جملة تبدأ باسم مرفوع يعرب مبتدأ ، ويتممه ، أو يكمل
معناه صفة مشتقة مرفوعة تعرف بالخبر . نحو : محمد مسافر . وعليٌّ قادم .
192
ـ ومنه قوله تعالى : {الأعرابُ أشدُ كفرا ونفاقا }1 .
وهذه الصورة هي أبسط صور الجملة الاسمية ، وتعرف بالجملة الاسمية الصغرى ، وهناك
صور أخرى للجملة الاسمية ، منها : أن يكون خبر المبتدأ جملة سواء أكانت اسمية ، نحو
: الحديقة أزهارها متفتحة .
193
ـ ومنه قوله تعالى : { مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد }2 .
أم
جملة فعلية . نحو : الطالب يكتب الدرس .
194
ـ وقوله تعالى : { أنا آتيك به }3 .
وهذا النوع من الجمل يعرف بالجملة الكبرى . لأن جملة أزهارها متفتحة ، جملة صغرى ،
فهي مكونة من مبتدأ وخبر ، وفي نفس الوقت في محل رفع خبر المبتدأ "الحديقة " ، الذي
يكوِّن مع الخبر الجملة الاسمية ، جملة كبرى .
وكذلك الحال في قولنا : الطالب يكتب الدرس ، فالطالب مبتدأ ، ويكتب فعل مضارع ،
والفاعل ضمير مستتر ، والدرس مفعول به ، وهذه الجملة الفعلية في محل رفع خبر
المبتدأ ، وهي تشكل جملة صغرى ، والمبتدأ " الطالب " مع خبره الجملة الفعلية يكوِّن
جملة كبرى ، وقس على ذلك الشواهد القرآنية التي أوردنا .
ومن
صور الجمل الاسمية أن يكون المبتدأ مصدرا صريحا .
نحو
: احترام الناس واجب .
أو
مصدرا مؤولا من أن والفعل المضارع .
نحو
قوله تعالى : { وأن تصوموا خير لكم }4 . والتقدير : صيامكم خير لكم .
أو
معرفا بأل نحو : المجتهدون مؤدبون . أو معرفا بالإضافة ، نحو : كتابي جديد .
وقد
يكون المبتدأ ضميرا ، نحو : أنت مهذب .
195
ـ ومنه قوله تعالى : { هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه }5 .
أو
اسم إشارة ، أو موصول ، أو استفهام ، أو شرط ... إلخ .
وقد
يكون الخبر جملة اسمية ، أو فعلية ، كما أوضحنا في بداية الكلام عن الجملة الاسمية
، أو شبه جملة جار ومجرور . نحو : الكتاب في الحقيبة .
أو
ظرف بنوعيه . نحو : الكتاب عندك . والعطلة يوم الجمعة .
ثانيا ـ الجملة الفعلية :
هي كل جملة تبدأ بفعل ، وتؤدي معنى مفيدا يحسن السكوت عليه سواء أكان الفعل
ماضيا ، نحو : ذهب أخوك إلى المدرسة .
196
ـ ومنه قوله تعالى : { فأصابهم سيئات ما عملوا }1 .
وقوله تعالى : وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون }2 .
أم
مضارعا ، نحو : يلعب محمد بالكرة .
197
ـ ومنه قوله تعالى : { ينبت لكم به الزرع }3 .
وقوله تعالى : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت }4 .
أم
أمرا ، نحو : قم مبكرا ، وصلِ حاضرا .
198
ـ ومنه قوله تعالى : { وقل ربِّ أدخلني مدخل صدق }5 .
ولا
بد للفعل من فاعل ، يأتي على صور مختلفة ، فقد يكون اسما ظاهرا ، كما مثلنا سابقا ،
وقد يكون ضميرا متصلا ، نحو : كتبت الواجب .
199
ـ ومنه قوله تعالى : { وربطنا على قلوبهم }6 .
أو
ضميرا منفصلا ، نحو : علمته الحساب ، واحترم الكبير . ولا تهمل عملك .
ومنه قوله تعالى : { وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم }7 .
وقد
يلي الفعل فاعل يكون دائما مرفوعا ، أو ما يكمل الجملة من مفعول به .
نحو
: كسر المهمل الزجاج .
ومنه قوله تعالى : { ونقلب أفئدتهم }1 .
200
ـ وقوله تعالى : { واذكروا نعمة الله عليكم }2 .
أو
حال . نحو : جاء الرجل راكبا .
201
ـ ومنه قوله تعالى : { فادعوه مخلصين }3 .
أو
جار ومجرور . نحو : الكتاب في الحقيبة .
ومنه قوله تعالى : { قل آمنا بالله }4 .
أو
مفعول معه . نحو : سار التلاميذ وصور المدرسة .
أو
مفعول فيه ( الظرف ) . نحو : لعب الأولاد تحت المطر .
وسافرنا ليلة الخميس . وغير ذلك من مكملات الجملة الفعلية .
أنواع الجمل ومواقعها من الإعراب :
تنقسم الجملة من حيث المواقع الإعرابية إلى نوعين . نوع له موقع إعرابي ،
كأن يكون في محل رفع ، أو نصب ، أو جر ، أو جزم . وهذا النوع من الجمل هو الذي يحل
محل الاسم المفرد فيأخذ إعرابه . لأن المفرد هو الذي يوصف بالمواقع الإعرابية
كالرفع ، وغيرها . وهذا النوع من الجمل يعرف بالجمل التي لها محل من الإعراب . أما
النوع الآخر فهي الجملة التي لا محل لها من الإعراب ، والتي لا تحل محل الاسم
المفرد .
.
أولا ــ الجمل التي لها محل من الإعراب :
أولا ـ الجملة الواقعة خبرا
:
ويشترط فيها أن تشتمل على ضمير يربطها بالمبتدأ ، ومحلها الرفع كما في الصور
التالية :
1 ـ
أن تكون جملة اسمية . نحو : المدرسة فصولها كثيرة .
المدرسة : مبتدأ ، وفصول : مبتدأ ثان ، وهو مضاف والضمير المتصل في محل جر بالإضافة
، كثيرة : خبر المبتدأ الثاني ، والجملة الاسمية من المبتدأ الثاني وخبره في محل
رفع خبر المبتدأ الأول " المدرسة " ، والرابط بين الجملة والمبتدأ هو الضمير المتصل
في المبتدأ الثاني " فصولها " .
2 ـ
أو جملة فعلية .
202
ـ نحو قوله تعالى : { الله يعلم الجهر وما يخفى }1 .
الله : لفظ الجلالة مبتدأ . يعلم : فعل مضارع ، والفاعل ضمير مستتر ، والجهر مفعول
به ... إلخ ، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ " الله " ، والرابط الضمير "
هو " .
3 ـ
أو جملة اسمية أو فعلية في محل رفع خبر " إنَّ " ، أو إحدى أخواتها .
نحو
: إن السماء غيومها كثيرة .
203
ـ ومنه قوله تعالى : { إن الله يغفر الذنوب }2 .
ونحو : لعل السماء تمطر .
إن
: حرف توكيد ونصب ، السماء : اسم إن منصوب .
غيومها : مبتدأ مرفوع ، والضمير في محل جر بالإضافة ، وكثيرة خبر ، والجملة الاسمية
في محل رفع خبر " إن " .
لعل
: حرف ترجي ونصب ، والسماء : اسم لعل منصوب .
تمطر : فعل مضارع مرفوع بالضمة ، والفاعل ضمير مستتر جوازا .
والجملة الفعلية من الفعل والفاعل في محل رفع خبر " لعل " .
4 ـ
أو خبر لا النافية للجنس . نحو : لا مهمل ثيابه نظيفة .
ونحو : لا مسيء يحترمه الناس .
ثيابه نظيفة : مبتدأ وخبر ، والجملة الاسمية في محل رفع خبر لا النافية للجنس .
ويحترمه الناس : فعل ومفعول به مقدم ، وفاعل مؤخر ، والجملة الفعلية في محل رفع خبر
لا النافية للجنس .
كما
تأتي جملة الخبر في محل نصب ، وذلك في المواضع التالية :
إذا
كانت خبرا لفعل ناسخ ، " كان وأخواتها ، أو كاد وأخواتها " .
نحو
: كانت الأشجار أوراقها خضراء .
ونحو : أمست السماء تتلبد بالغيوم .
ومنه قوله تعالى : { وكانوا يصرون على الحنث العظيم }1 .
فأوراقها خضراء : مبتدأ وخبر ، والجملة الاسمية في محل نصب خبر كان .
وتتلبد بالغيوم : فعل مضارع ، والفاعل ضمير مستتر ، وبالغيوم جار ومجرور ، والجملة
الفعلية وما في حيزها في محل نصب خبر أمسى .
ونحو : كاد محمد يفوز بالجائزة .
ومنه قوله تعالى : { يكاد البرق يخطف أبصارهم }2 .
يفوز بالجائزة : جملة فعلية مكونة من فعل ، وفاعل مستتر ، وجار ومجرور ، وهي في محل
نصب خبر كاد .
ثانيا ـ الجملة الواقعة حالا
:
يشترط فيها أن تشتمل على عائد يربطها بصاحب الحال ، والعائد إما أن يكون
الضمير ، أو الواو ، أو الاثنين معا ، أو الواو وقد . وأن يكون صاحب الحال معرفة ،
مع عدم وجود المانع من مجيء الجملة حالا .
نحو
: حضر الطالب كتابه في يده .
جاء
الطالب : فعل وفاعل . كتابه : مبتدأ ، والضمير المتصل في محل جر مضاف إليه . في يده
: جار ومجرور ، والضمير المتصل في محل جر مضاف إليه .
وشبه الجملة متعلق بمحذوف في محل رفع خبر .
وجملة كتابه في يده : في محل نصب حال من الطالب ، والرابط : الضمير المتصل في "
كتابه " ، حيث عاد على " الطالب " .
92
ـ ومنه قول الشاعر :
إذا الملك الجبار صعر خده مشينا إليه بالسيوف نعاتبه
الشاهد : : " نعاتبه " ، فهي حال جملة فعلية من الضمير المتصل " نا " في " مشينا "
، والرابط الضمير المتصل " ها " الغيبة في " نعاتبه " .
والتقدير : مشينا إليه بالسيوف معاتبين إياه .
204
ـ ومنه قوله تعالى : { وجاءوا أباهم عشاء يبكون }1 .
وقوله تعالى : { وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله }2 .
ومثال مجيء الرابط : الواو . وصل التلميذ والكتاب في يده .
وصل
التلميذ : فعل وفاعل . والكتاب : الواو واو الحال ، الكتاب : مبتدأ . في يده : جار
ومجرور متعلقان بمحذوف في محل رفع خبر . وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب حال ،
والرابط بين جملة الحال ، وصاحبها : الواو في " والكتاب " .
93
ـ ومنه قول الشاعر :
كأن سواد الليل والفجر ضاحك يلوح ويخفى أسود يتبسم
الشاهد : " والفجر ضاحك " . حل جمل اسمية ، والرابط فيها الواو .
ومثال مجيء الرابط الواو والضمير معا : صافحت محمدا وهو يبتسم .
صافحت محمدا : فعل وفاعل مستتر ، ومفعول به .
وهو
: الواو واو الحال ، هو : ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ .
يبتسم : فعل مضارع مرفوع ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره : هو .
وجملة : وهو يبتسم في محل نصب حال من المفعول به " محمدا " .
والرابط : الواو والضمير معا . ولا يكون هذا النوع من الروابط إلا مع الجملة
الاسمية . 205 ـ ومنه قوله تعالى : { وماتوا وهم فاسقون }1 .
ومنه قول الشاعر :
ما كنت أحسبني أبقى إلى زمن يسيء بي كلب وهو محمود
الشاهد : " وهو محمود " حال جملة اسمية ، والرابط الواو والضمير .
ومثال الرابط : الواو وقد . قدم الحجاج وقد انهمر المطر .
قدم
الحجاج : فعل وفاعل . وقد انهمر : الواو للحال ، قد حرف تحقيق ، انهمر فعل ماض مبني
على الفتح . المطر : فاعل مرفوع بالضمة .
والجملة الفعلية : وقد انهمر المطر في محل نصب حال من " الحجاج " ، والرابط : الواو
وقد معا . ولا يكون الرابط : " الواو وقد " إلا مع الجملة الفعلية .
ويلاحظ في جميع الجمل التي ذكرناها آنفا ، كأمثلة على الجملة الحالية ، أن صاحب
الحال كان معرفة محضة ، مع عدم وجود المانع الذي يمنع مجيء الحال جملة .
فإذا كان صاحب الحال معرفة غير محضة ، كأن يكون اسما معرفا تعريفا جنسيا .
نحو
: محمد الأسد بطولاته مشرفة .
فإن
الجملة الواقعة بعد الاسم المعرف تعريفا جنسيا يجوز فيها أن تعرب حالا ، أو صفة ،
لأن التعريف الجنسي يقرب من التنكير ، ولكن الأفضل إعرابها حالا .
أما
المانع لمجيء الجملة الواقعة بعد المعرفة المحضة أن تكون حملة حالية ، هو أن تكون
الجملة إنشائية طلبية أمرا ، أو نهيا ، أو استفهاما ، أو عرضا ، أو تحضيضا ، وفي
هذه الحالة تكون الجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب .
نحو
: هذا متاعي فدعه عندك . ونحو : جاء صديقك فلا تحرجه .
ونحو : سافر محمد فهل ودعته ؟ ونحو : سنقيم الحفل ألا شرفتنا .
ونحو : بدأ الاختبار فهلاَّ درست .
فالجمل الواقعة ـ في الأمثلة السابقة ـ بعد الأمر ، والنهي ، والاستفهام ، والعرض ،
والتحضيض ، ليست جملا حالية ، وإنما هي جمل إنشائية ، لذلك لا محل لها من الإعراب
مستأنفة .
ومن
موانع وقوع الحال جملة ، أن تأتي بعد معرفة محضة ولكنها مصدرة بحرف من حروف
الاستقبال ، كالسين ، وسوف ، أو لن .
نحو
: حضر محمد سأسلم عليه . ونحو : سافر عليّ لن أودعه .
فجملة : سأسلم عليه ، في المثال الأول ، وجملة : لن أودعه ، في المثال الثاني ، كل
منهما لا تصلح لأن تكون جملة حالية ، لأن الأولى مسبوقة بالسين الدالة على
الاستقبال ، والثانية مسبوقة بلن .
ثالثا ـ الجملة الواقعة مفعولا به :
يكون محلها النصب ، وتأتي الجملة مفعولا به في المواضع التالية :
1 ـ
أن تكون محكية بالقول . نحو : قال محمد إن أخاك ناجح .
فجملة : إن أخاك ناجح ، جملة اسمية ، مكونة من " إن " واسمها وخبرها ، وهي في محل
نصب مقول القول .
206
ـ ومنه قوله تعالى : { قال إني أعلم ما لا تعلمون }1 .
وقوله تعالى : { قالت اليهود عزير ابن الله }2 .
ومنه قول عمر بن أبي ربيعة :
قالت الصغرى : أتعرفن الفتى ؟ قالت الوسطى : نعم هذا عمر
الشاهد : أتعرفن الفتى ، و نعم هذا عمر . وكل من الجملتين وقع في محل نصب مفعول به
لفعل
القول .
94
ـ ومنه قول الشاعر :
يقولون ليلى في العراق مريضة فياليتني كنت الطبيب المداويا
الشاهد : ليلى في العراق مريضة . فقد وقعت الجملة في محل نصب مفعول به لفعل القول .
2 ـ
الجملة الواقعة مفعولا به ثانيا ، أو سدت مسد مفعولين لظن ، أو إحدى أخواتها . نحو
: ظننت أخاك سيحضر اليوم .
سيحضر اليوم : السين حرف استقبال مبني على الفتح لا محل له من الإعراب ، يحضر فعل
مضارع مرفوع بالضمة ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره : هو ، واليوم ظرف زمان
منصوب بالفتحة .
وجملة : سيحضر اليوم : في محل نصب مفعول به ثان لظن .
ونحو : حسبت أنك مسافر .
أنك
مسافر : أنك : أن واسمها ، وسافر : خبرها مرفوع .
والجملة : أنك مسافر : سدت مسد مفعولي حسب .
3 ـ
الجملة الواقعة بعد المفعول الثاني في باب : رأى ، وأعلم .
وقد
تسد مسد المفعولين .
مثال الجملة الواقعة بعد المفعول الثاني : أعلمت أباك محمدا أخوه ناجح .
أخوه ناجح : جملة اسمية مكونة من المبتدأ والخبر ، وهي في محل نصب مفعول به ثالث
للفعل أعلم .
ومثال النوع الثاني :
207
ـ قوله تعالى : { ولتعلمُنَّ أينا أشد عذابا }1 .
فجملة : أينا اشد عذابا . جملة اسمية مكونة من مبتدأ ، والضمير المتصل في " أي " في
محل جر مضاف إليه ، اشد : خبر المبتدأ ، وعذابا : تمييز منصوب .
وجملة : أينا وما في حيزها في محل نصب سدت مسد مفعولي يعلم .
4 ـ
الجملة الواقعة مفعولا به لأي فعل .
نحو
: عرفت من أنت ؟
عرفت : فعل وفاعل . من أنت : مبتدأ وخبر .
وجملة : من أنت ؟ في محل نصب مفعول به للفعل عرف .
95
ـ ومنه قول الشاعر :
ولا توهمت أن الناس قد فقدوا وأن مثل أبي البيضاء موجود
الشاهد : أن الناس قد فقدوا . جملة اسمية في محل نصب مفعول به للفعل توهم .
وهذا النوع الأخير ما يعرف بتعليق العامل ، وهو ترك العمل لفظا دون معنى ، لمانع من
الموانع . كأن تكون الجملة مبدوءة باسم استفهام ، والاستفهام لا يعمل فيه ما قبله.
نحو
: عرفت متى السفر ؟
فجملة : متى السفر ؟ في محل نصب مفعول به معنى لا لفظا ، لأن الفعل لم يعمل فيها
ظاهرا ، لكونها جملة استفهامية .
أو
تكون الجملة متصلة بلام التوكيد . نحو : توهمت لأبوك موجود .
فجملة : لأبوك موجود . جملة اسمية في محل نصب مفعول به لـ " توهمت " في المعنى ،
وقد امتنع عمل الفعل لفظا لاتصال الجملة بلام التوكيد .
ومن
فوائد الحكم على محل الجملة في التعليق بالنصب ، ظهور أثر هذا في التابع .
نحو
: عرفت من أنت ؟ وغيرَ ذلك من أمورك .
فـ
" غير " معطوفة على محل الجملة المعلقة وهو النصب ، فجاءت " غير " منصوبة .
رابعا ـ الجملة الواقعة نعتا :
وهي
الجملة الموصوف بها ، وحكمها أن تكون زائدة ، ولا يختل المعنى بدونها ، ويشترط في
موصوفها : أن يكون نكرة ، وتعرب بحسب موقع موصوفها من الإعراب . فإذا كان موصوفها
مرفوعا جاءت في محل رفع .
نحو
: خطب فينا رجل لسانه فصيح .
خطب
: فعل ماض . فينا : جار ومجرور متعلقان بالفعل . رجل : فاعل مرفوع .
لسانه : مبتدأ ، والضمير المتصل في محل جر بالإضافة . وفصيح : خبر مرفوع .
والجملة الاسمية في محل رفع صفة لرجل لأنه نكرة . والرابط الضمير في " لسانه ".
208
ـ ومنه قوله تعالى : { من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة }1 .
وقوله تعالى : { يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم }2 .
وقوله تعالى : { وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى }3 .
فالجمل : لا بيع فيه ولا شراء ، وتنبئهم بما في قلوبهم ، ويسعى . كل منها جاء في
محل
رفع صفة لموصوف نكرة مرفوع ، وهو : يوم ، وسورة ، ورجل .
وإذا كان الموصوف منصوبا ، جاءت جملة الصفة في محا نصب .
نحو
: شاهدت لوحة رسومها معبرة .
شاهدت لوحة : فعل وفاعل ومفعول به .
رسومها معبرة : رسوم مبتدأ ، والضمير المتصل في
محل جر مضاف إلية ، ومعبرة خبر .
وجملة : رسومها معبرة في محل نصب صفة للوحة النكرة المنصوبة .
ومنه قوله تعالى : { واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله }4 .
209
ـ وقوله تعالى : { ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم }5 .
فالجملتان : ترجعون فيه إلى الله ، ونكثوا أيمانهم . كل منهما جاء في محل نصب صفة
لموصوف نكرة منصوب ، وهو : يوما ، وقوما .
وإذا كان الموصوف مجرورا ، جاءت جملة الصفة في محل جر .
نحو
: نعيش في قرية تكثر فيها البساتين .
نعيش : نعيش فعل مضارع ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره : نحن .
في
قرية : جار ومجرور متعلقان بنعيش .
تكثر فيها البساتين : تكثر فعل مضارع مرفوع ، فيها جار ومجرور متعلقان بتكثر ،
والبساتين فاعل مرفوع بالضمة .
وجملة : تكثر وما في حيزها في محل جر صفة لقرية .
ومنه قوله تعالى : { ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه }1 .
وقوله تعالى : { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا }2 .
96
ـ ومنه قول الشاعر :
لا أذود الطير عن شجر قد بلوت المر من ثمره
فالجمل : لا ريب فيه ، ومات أبدا ، وقد بلوت المر . كل منها جاء في محل جر صفة
لأوصاف مجرورة هي : ليوم ، وعلى أحد ، وعن شجر .
*
أما المانع من مجيء الجملة صفة ، أن تكون جملة إنشائية .
نحو
: جاء مسكين فلا تحرجه .
فجملة : فلا تحرجه ، إنشائية لأنها طلبية نهي ، فلا يصح إعرابها صفة ، ولكن نعربها
جملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب .
ونحو : هذا متاع احفظه لي .
فجملة : احفظه لي . جملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب لأنها جملة إنشائية طلبية
أمر .
ونحو : محمد مريض فهل تزره ؟
فجملة : فهل تزره . مستأنفة لا محل لها من الإعراب لأنها إنشائية طلبية استفهامية .
وقس
على ذلك بقية أنواع الجمل الإنشائية الطلبية .
ومن
موانع وقوع الجملة صفة ولو سبقها نكرة محضة ، أن تكون الجملة محصورة بإلا . نحو :
ما زارني رجل إلا قال خيرا .
وفي
هذه الحالة تعرب الجملة الواقعة بعد " إلا " حالا ، ولا تعرب صفة ، لأن " إلا " لا
تفصل بين الصفة وموصوفها .
خامسا ـ الجملة الواقعة جوابا لشرط جازم :
يشترط في الجملة الواقعة جوابا لشرط جازم أن تكون مقرونة بالفاء ، أو إذا
الفجائية . نحو : إن تدرس فلن ترسب .
210
ـ ومنه قوله تعالى : { ومن يضلل الله فلا هادي له }1 .
وقوله تعالى : { فإن انتهوا فإن الله بما تعلمون بصير }2 .
ومثال مجيء جملة الشرط بعد إذا الفجائية : إن نحمل على الأعداء إذا هم هاربون .
ومنه قوله تعالى : { وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون }3 .
211
ـ وقوله تعالى : { وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون }4 .
فالجمل الواقعة بعد " الفاء " ، أو " إذا " الفجائية جاءت في محل جزم بحرف الشرط "
إن " . وهذه الجمل بالترتيب هي : فلن يرسب ، فلا هادي له ، فإن الله ... ، إذا
هم هاربون ، إذا هم يقنطون ، إذا هم يسخطون .
ونستدل على مجيئها في محل جزم ، أننا إذا عليها فعلا مضارعا جاء مجزوما ، لأنه عطف
على المحل ، والمعطوف على محل المجزوم يكون مجزوما .
نحو
: متى يجتهد الكسول فإنه ينجح ويحظ بحب الناس .
فالفعل " يحظ " فعل مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة ، لأنه معطوف على محل
الجملة المجزومة الواقعة جوابا للشرط " فإنه ينجح " .
سادسا ـ الجملة الواقعة مستثنى :
يشترط في الجملة الواقعة مستثنى أن يكون الاستثناء منقطعا ، أي أن يكون
المستثنى ليس من جنس المستثنى منه .
نحو
: لن أعاقب مجتهدا إلا المهمل فعقابه شديد .
فجملة : المهمل فعقابه شديد ، مكونة من مبتدأ أول ، والفاء واقعة في الخبر ، وعقابه
مبتدأ ثان ، والضمير المتصل في محل جر بالإضافة ، وشديد خبر المبتدأ الثاني ، وجملة
المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول .
والجملة من المبتدأ الأول وخبره في محل نصب مستثنى .
سابعا ـ الجملة الواقعة مضافا إليه :
يشترط في الجملة الواقعة مضافا إليه أن تكون بعد كلمة مضافة إلى جملة جوازا
أو وجوبا . والكلمات التي تقع مضافة إلى جملة هي : ـ
1 ـ
الكلمات الدالة على زمان ، سواء أكان ظرفا ، أم غير ظرف ، ككلمة " يوم " ، فهي
تكون ظرفا .
212
ـ نحو قوله تعالى : { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه }1 .
ولا
تكون ظرفا ، بل تعرب حسب موقعها من الجملة .
213
ـ نحو قوله تعالى : { هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم }2 .
فهذا : مبتدأ ، ويوم : خبر مرفوع بالضمة الظاهرة ، وهو مضاف ، وجملة : ينفع وما في
حيزها ، في محل جر مضاف إليه .
2 ـ
الكلمات الدالة على مكان ، سواء أكانت ظرفا ، أم غير ظرف ، ككلمة " حيث " فهي
تكون ظرفا مكانيا ، نحو : وقفت حيثُ وقف عليّ ، وجلست حيث محمد جالس .
214
ـ ومنه قوله تعالى : { واقتلوهم حيث ثقفتموهم }3 .
وقوله تعالى : { الله أعلم حيث يجعل رسالته }4 .
ولا
تكون ظرفا إذا جاءت مجرورة بحرف الجر ، فهي اسم مجرور بمن مبني على الضم في محل جر
. نحو : آتيك بالأمر من حيثُ لا تدري .
215
ـ ومنه قوله تعالى : { إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم }5 .
وقوله تعالى : { وأخرجوهم من حيث أخرجوكم }1 .
ومنه قول الشاعر :
عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
3 ـ
ومن الظروف الملازمة الإضافة إلى الجملة : إذ ، وإذا ، ولمّا الوجودية المفتقرة إلى
جواب . نحو : هل تذكر إذ نحن أطفال .
216
ـ ومنه قوله تعالى : { أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت }2 .
وقوله تعالى : { واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم }3 .
97
ـ ومنه قول عنترة :
إذ يتقون بي الأسنة لم أحم عنها ولكني تضايق مُقدمي
ومثال إذا : إذا حضر الماء بطل التيمم .
217
ـ ومنه قوله تعالى : { إذا ذكر الله وجلت قلوبهم }4 .
وقوله تعالى : { إذا جاء نصر الله والفتح }5 .
ومنه قول طرفة :
إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني عنيت فلم أكسل ولم أتبلد
ومثال لما الظرفية الوجودية : فرح والدي لمّا نجحت .
وهي
بمعنى الحين مبنية على السكون في محل نصب ، إلا أنها متضمنة للشرط ، ولكنها غير
جازمة ، لاختصاصها بالدخول على الأفعال الماضية .
218
ـ ومنه قوله تعالى : { فلما أخذتهم الرجفة قال ربِّ لو شئت أهلكتهم }6 .
ومنه قول زهير :
فلما وردن الماء زرقا جمانه وضعن عِصِّي الحاضر المتخيِّم
4 ـ
ومن الظروف والمصادر التي تضاف جوازا إلى الجملة " لدن " ، وهي ظرف زمان ، أو
مكان ، حسب المعنى ، وقد لا تكون ظرفا . و " ريث " ، وهي مصدر من "
راث " بمعنى " أبطأ " ، ويعرب المصدر ظرف زمان .
ويشترط في الجملة المضافة إلى " لدن ، وريث " أن تكون فعلية فعلها متصرف متبث .
مثال لدن الظرفية : أنت مهذب لدن عرفتك صغيرا .
98
ـ ومنه قول الشاعر :
لزمنا لدن سألتمونا وفاقكم فلا يك منكم للخلاف جنوح
ومثال مجيئها اسما مجرورا : أنت مجتهد من لدن كنت صغيرا .
ومثال ريث : انتظرت ريث حضر أخوك .
99
ـ ومنه قول الشاعر :
خليليَّ رفقا ريث أقضي لبانة من العرجات المذكرات عهودا
فالجمل الواقعة بعد " لدن ، وريث " في محل جر مضاف إليه ، وكذلك جميع الجمل الواقعة
بعد الظروف الآنفة الذكر .
ثامنا ـ الجملة التابعة لمفرد :
تنقسم الجملة التابعة لمفرد إلى ثلاثة أنواع : ـ
1 ـ
الجملة الواقعة صفة لمفرد مرفوع ، أو منصوب ، أو مجرور .
مثال المرفوع : جاء رجل يركب دابة .
219
ـ نحو قوله تعالى : { من قبل أن يأتي يوم لا بيع في ولا خلال }1 .
ومثال المنصوب : عاقبت طالبا يهمل واجباته .
ومثال المجرور : سلمت على رجل يركب دابة .
2 ـ
الجملة المعطوفة على مفرد مرفوع ، أو منصوب ، أو مجرور .
نحو
: محمد قادم وأبوه ذاهب .
وفي
ذلك خلاف ، فإذا كان العطف على المفرد تكون جملة " أبوه ذاهب " ، في محل رفع معطوفة
على الخبر " قادم " . أما إذا كان العطف على جملة " محمد قادم " ، سيكون الشاهد قد
خرج عن موضعه . وهنالك خلاف آخر منشأه أن الواو قد تكون واو
الحل ، وبذلك لا تكون جملة " أبوه ذاهب " تابعة لما قبلها .
ومثال المعطوفة على مفرد منصوب : كافأت طالبا شاعرا ويكتب قصة .
ومثال المعطوفة على المجرور ، أو موقعه الجر: نحو : استمعت إلى عجوز منشد ويعزف على
الربابة . ونحو : استمعت إلى عجوز ينشد ويعزف على الربابة .
3 ـ
الجملة الواقعة بدلا من الاسم المفرد الذي يسبقها :
220
ـ نحو قوله تعالى :
{
ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم }1 .
فـ
" إن " وما عملت فيه بدل من " ما " وصلتها ، ويجوز أن تكون استئنافية ، كما جاز في
قوله تعالى : { وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها }2 .
فجملة " والساعة لا ريب فيها " يجوز أن تكون استئنافية ، وليست بدلا
ومنه أيضا قوله تعالى : { وأسرُّوا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم }3 .
فجملة " هل هذا ... إلخ " يجوز فيها أن تكون بلا من اسم الموصول وصلته ،
ويجوز
فيها أن تكون مفسرة ، والله أعلم . ولكن الأحسن أن نعدل عن إعراب الجمل
بدلا ، أو عطف بيان ، لما قد يكون فيها من التكلف في المعنى ، والأفضل أن
تكون استئنافية ،
كما في الآيتين الأولى والثانية ، وتفسيرية كما في الآية الأخيرة فتدبر ،
والله
يحفظك.
تاسعا ـ الجملة التابعة لجملة لها محل من الإعراب ، وذلك في موضعين :
1 ـ
في العطف :
نحو
: المتفوق يفوز بالجائزة ، ويحترمه زملاؤه .
ويشترط في الجملة الواقعة بعد الواو ، أن تكون معطوفة على الجملة الصغرى وهي "
يفوز بالجائزة " ، لا على الجملة الكبرى وهي " المتفوق يفوز بالجائزة " . هذا إذا
اعتبرنا الواو للعطف ، فإذا قدرنا الواو للحال لم تكن الجملة بعدها تابعة لما قبلها
.
2 ـ
في البدل :
ويشترط في الجملة الثانية الواقعة بدلا أن تكون أوفى من الجملة الأولى ،
وأوضح في تأدية المعنى المطلوب . نحو : قلت له ارحل لا تمكث عندنا .
ومنه قوله تعالى : { واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين }1 .
فجملة " أمدكم ... إلخ " بدل من جملة " أمدكم بما تعلمون " ، لأنها أوضح منها ،
وأوفى في
تأدية المعنى .